الصفحات

فقر




قد قضت سنن الحياة علي هذه الأرض أن يشهد كل امرئٍ من معاني الفقر في نفسه ما شاء الله له أن يشهدِ، بما يفتقد من الآمال العريضات  والأماني الغاليات التي لا يجد لها سبيلاً البتة ولا يقدر. غير أن الفقر في سياقه المعنوي لا يقارن طرفة عين بما يعاينه الحس من ابتلاءات الجوع وفقد المأوى وانقضاء أسباب الأمان.
وما أشبه حال الفقير علي ظهر الأرض، بحال اللحود ببطنها كلاهما يلتحف رداء النسيان، فالإنسانية في جحودها لا تذكره، وإن كان دأبها الذي تتفق عليه جمعاً، طلب المال مذ أشرقت شمس الأرض علي أبينا آدم .
و لا يكون من أسباب الفقر أحق من إقرار شريعة الباطل، ولا نتاجا إلا لاختلال الضمائر، فلم يزل هذا الفقير المسكين يطوي نهاره كادحا، فلا يزيد موازين الإجحاف إلا إمعانا في فقر الفقير وغنى الغني الذي لا ينصفه كده.
ثم شهدنا الحرب، فما كان الفقر إلا بعض أركانها إذ يتنازع الناس أسباب حياتهم، فتحيلهم لأسباب الهلاك، ويمسي أحدهم يرفل في ثوب عيشه، فيصبح وما يملك منه الكفاف.
     أما أشد أوجه الفقر بؤسا وأعظمه نكاية، وأدعى لإغداق مدامع العين، ذاك الذي تجده في بعض أطراف الأرض، جبال من أكوام فائض الطعام تحت مسمى النفايات، وعلي بعض أطرافها الأخرى يموت الناس ظمئا وجوعا.
     ولو أن العقل الإنساني أقرٌ شريعة الزكاة لكفته، ولأصلحت ما فسد منه من حال الأغنياء قبل الفقراء، فكم من ثري أمسى يتقلب في شدائد القلق يخشى غائلة الفقر، قد أربكته سبل الأنفاق أكثر من سبل الجمع فهو منها في أشد الحيرة.
فما أحوجنا في عالمنا العربي خاصة لركن من عقيدتنا يستقيم به أمر الحياة، ويتسع به الضمير في امتدادات الرأفة، والخير والفضيلة، فما القتر إلا قدح في الإيمان، وتشكيك فيما وعد الله به المتصدقين، ولقد يكون في غيرنا من المجتمعات ما يوازي ذاك من مؤسسات الإحسان بغير ما دافع، فيكون منها ما يخجل انتمائنا إذ تنجح هي فيما عجزنا عن أدائه نحن.

بقلمي :مدون مستقل