أصيب نسيجنا الاجتماعي بضربات موجعة علي مدار الخمسة سنوات الأخيرة , و وجد نفسه في مفترق طرق محيرة بين خيارات عدة , علي المرء أن يتخذ منها سبيلا ما وفقا لدقة تصوره , و معطياته الراهنة , بل و معتقده , و ما ترتكز عليه خلفيته الثقافية التي أثرت بكل تأكيد في سلوكياته و طورت لديه ما يشبه أسلوب ما في التعامل مع مستجدات كبرى لم تؤلف في سابقات أيامه من قبل !!
غير أن ما اعتبره الأخطر علي الإطلاق , هو ما يتداول اليوم علي الكثير من صفحاتنا الاجتماعية , و ما نصادفه من دردشات قاعات الانتظار , إلي جانب لقاءاتنا في الجلسات الاجتماعية , و التي صارت حديث متصل من الشكوى و التذمر , كونها تخص مشاكل النزوح .
و حين أقول الأخطر , فاعني بذلك المشاكل , و التوترات , إلي النزاعات و التصدعات التي أصابت علاقات القربى من الدرجة الأولي و أكثر , فيما حل بواقعنا الشائك هذه الأيام , و في طرحي هذا لست أدعي أني جئت بحلول استثنائية أو تقييم جديد , بل لعلي لم أفي مشكلة بهذا الحجم نصف حقها , إنما أكتب لتأكيد القيم و الأخلاقيات التي ألمس اضمحلالها من مجتمعنا , و ألقي الضوء - و إن بدا خافتا - علي دقائق مسببات الخلافات التي قد تحدث شرخا غائرا في علاقاتنا , نحن في غنى تام عنه .
ما أشق الخروج من البيت , فكيف إن كان الخروج اضطراري , سمعت من البعض أنه غادر في ملابس المنزل , و بعضهم خرج في زيارة فلم يستطع العودة لتبديل ملابسه !!
بعضهم ترك أهم ما يملكه , و أحيانا أغلى ما يملكه , إنه لأمر مرير حقا , حتى إذا سلك الطريق مغادرا بيته بقلب يكاد ينفطر , لن يُعْمِل ذهنه إلا في أقرب الناس إليه , من لا يتوقع أن يرده أبدا , فهو أحوج ما يكون للملجأ و المواساة .
جبلت النفوس علي اختلاف الطباع , و اختلاف النسق , و نجد هذا في تباين أنماط العيش بين الأسر , بل تلمس كل هذا بين أفراد الأسرة الواحدة , أن الاختلاف هو أمر طبيعي علينا تقبله .
أنت تختلف في طريقة الأكل , وقت النوم , وقت التلفاز , برامجك المفضلة , و غيرها الكثير من التفاصيل بالغة الدقة التي تعمر يومياتنا , و التي سوف تشاركها مع أسرة أخرى أو أكثر , في بيت ليس بيتك فرض عليك أن تهاجر إليه قسرا , أعلم أن قلبك مكروب واجف , قد خلف مطارح راحته تحت رحمة سلاح أهوج .
فإني بذا أوجه كلماتي إلي كل من أختاره الله ليفك كربة مؤمن , و يستقبله و يؤويه و يفسح له من بيته , تذكر أجرك العظيم , و شيء مما جال في خاطري لألفت انتباهك إليه حيال من تستضيفهم , مما تيسر .
* قدر مشاعرهم , فليس ثم أشد علي النفس من أن تجافي عاداتها , و مواطن راحتها , بعضنا لا ينام لوقت طويل لأنه استبدل غرفته في سفر مثلا ,إذ أنه من ذاك تنشأ مشاعر الاغتراب , و لا حاجة بأن نقول أن النزوح شيء أشبه بالنزع , فهي شدة لا تخففها إلا دماثة الطبع , و صدق المواساة , و تهوين المصاب, فكن منهم علي الرحب و السعة .
* حافظ علي مساحة من الخصوصية قدر ما أمكن , تمنح ضيوفك المزيد من الراحة , قد يحتاجون لفسحة خاصة لتبادل همومهم أو مناقشة أمورهم المستجدة , أو حتى لذرف الدموع , و كل ما أمكن تقسيم المكان لتنفرد كل أسرة بجهة ما , كان أبعد عن تماس الدهشة و الاستغراب , و أنأى عن التقييم أو النقد , فستجد بينكم اختلافا قد يكون كبيرا .
* تفقد حاجاتهم , و اسأل عن كل مالا تعرفه , ماذا يفضلون ؟ و ما لذي يريحهم ؟ , و ضع الخيارات و البدائل مهما كانت بسيطة , سوف تشعرهم باهتمامك , و تقديرك لوجودهم , إنها فرصة جيدة لاختبار قدرتك علي التعاطي مع الظروف الطارئة , التي لم يحدث مثلها من قبل .
* أشركهم في نشاط يستثمرون فيه الوقت , شجعهم علي تلمس الطريق لملء أوقات الفراغ , و خلق أجواء من السرور و الألفة المفتقدة , و أعد اكتشاف أقاربك مجددا , إنها فرصة أيضا لتبادل الخبرات .
* كل شيء يعوض , لا تفكر أبدا فيما تخسره , مقابل ما قد خسروه , ليست المقارنة عادلة بحال , هي مشكلة وطن كلنا شركاء فيه و كلنا نتحمل عبء القيام به , فأن تعين نازح أنت تخطو في ذاك الاتجاه دون شك .
و كما تقابل الحقوق واجبات في كل علاقة إنسانية ناشئة , فإنه وجب تذكيرك عزيزي النازح أنك ضيف لوقت طويل , لقد اختارك الله لامتحان كبير , عليك بالصبر و اجتيازه بنجاح , و ليس من الحكمة أن تحيل أيامك إلي حال من الأسى المتصل , و الهموم الجسام .
* تكيف مع الوضع الجديد , و حاول أن تستفيد من الحد الأدنى ( ليس أكثر ) مما تلاقي من كرم مضيٌفك , لأنك ستمكث طويلا .
* تصرف بذوق و لباقة , فلم تعد في بيتك , ستفقد الكثير من راحتك و حريتك , لكنك بالمقابل تحافظ علي متانة العلاقة مع مضيٌفك , ربما لم يتبقى لديك الكثير لتقدمه , لكن حس من الامتنان ,و التقدير , و حسن الخلق , والتنازل ,و الإيثار , و الاكتفاء , كلها قيم إنسانية سوف تسعد مضيٌفك , و تمنحه الطاقة ليبذل المزيد من أجلك , لا تنسى أنه أصبح مقيد بضيافتك , مهموم براحتك , قد ضيق علي نفسه ليفسح لك , و تذكر أنه حال من الكرب يوشك أن يفك, و حلق من الغم تمضي لتفرج فلطف الله قائم مع قضاءه .
يا الله ما أجملها من كلمـــات وما أنقــى روحـك بهذا الوصف...
ردحذفأتدري صديقتي أن البشـر أصبحو لا يطيقون ساعـة من ساعات الضيوف وهم يتأففون وجودهــم وحملهـم حتى مجاملة زيارتهم!!!
فكيف الحال بضيف ماكث!!! إن ما أصاب نسيجنا الإجتماعي من شر الحرب هو من جنس العمل
لا يتفوه بمثــل كلماتك إلا المجواد ذو الكرم أعان الله من أجبــر على ترك موطن وطنــه