نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

قراءتي في أنماط من تجارب الحياة



(1) أوراق مختلطة
إن الأشخاص الذين يشكّون في سعادتهم الذاتية، هم أكثر الناس الذين يحتاجون لإثباتها أمام الآخرين، يبدو أنهم على خلاف مرير مع العقل الباطن يجعلهم يستنجدون بالعقل الواعي ليثبتوا العكس. ثم يصبحون محلا للشفقة من حيث كانوا يوهمون غيرهم بأنهم أفضل حالا، يجدر بنا جميعا ترتيب أوراقنا الداخلية على انفراد، وإن صَعُبَ الأمر فثمّ أحدهم قريب على الدوام يمكنه مساعدتنا لن نعدم العون. لكن تلفيق الحلول الاستعراضية المزعجة، لا تسفر عن شيء إذ سريعا ما يلتفت الناس لشؤونهم و تظل المشاكل العالقة عالقة، يقول د. مصطفى محمود “لا تجعل سعادتك في تصفيق الناس لك، فإن الناس يبدلون آرائهم كل يوم”!.
     تختلف طرقنا في التعامل مع ما يواجهنا من مصاعب وعثرات، تلك المطبات الصغيرة التي تدسها الحياة بيومياتنا، جميعنا نواجهها بشكل ما، بعضنا ينجح في تجاوزها وبعضنا يَرْكُمُها واحدة فوق الأخرى لتغدو كجبل لا يمكن تجاوزه بحال كل ذلك مرتبط وثيقا بفهمنا لمجريات الحياة. وبالمثل فإن لحظات الرضى والسكينة التي تجعلنا نبتسم امتنانا لوجودنا على هذه الأرض، هن رهن بانسجام الدواخل، بشيء يشبه الاستشعار بالغ الحساسية لكل المنح التي نوهبها بلا أدني جهد، بذاك العطاء المغدق الذي ينجم عن إحساسنا الإنساني بمتاعب الآخرين، بفرحنا الصادق بنجاحاتهم وإنجازاتهم، وبما يعبر عنه بكلمتين “عافية قلب “.
(2) لامبالاة  انسحابية
بعض البشر رُكّبُوا ليولوا أحاسيسهم متسعا شاسعا من الحياة، أعني الاهتمام المفرط بالرفاهية السلبية التي تحجم الفكر، وتقنن عمل العقل المبدع فيهم، بحيث يمضي الوقت تلو الآخر دون إنجاز يليق بقوة هذا العقل. إنه لمن الشقاء أن تتكيف مع الحياة بشكل طبيعي، وأن تتصور أنك بمكانك الصحيح وأن كل شيء على خير ما يرام، من حيث يكون مكانك الحقيقي ليس هذا النمط الراكد المفعم باللامبالاة، لقد خلقت لتبدع لتتميز، ولتؤثر وتقود، لا لتكون رقم زائدا في التعداد البشري المهول. يقول رجل الأعمال البريطاني فيلكس”إن معظمنا يتركون الحياة تصنع بهم ما تشاء غير آبهين بمستقبلهم وأهدافهم وطموحاتهم، فيتيهون في دوامة الحياة وفي لمح البصر يجدون أنفسهم قد شاخوا، حينها سيسألون أنفسهم كيف لم ينتبهوا لكل تلك الفرص التي كانت تتوالي عليهم؟ كيف تنازلوا عن أحلامهم؟” هو لا يقصد نفسه بالطبع!
    إذ نجد الأشخاص من أصحاب المواهب المتعددة يعيشون قلقا مضطردا يدفعهم لاكتشاف ذواتهم كعالم مصغر يكتنفه الكثير من الغموض، لينطلقوا من بعده في تجارب موصولة تقودهم لمعنى الجدوى، وتثير فيهم قيمة الأشياء، هناك فقط يجدون أنفسهم ويقتربون من فهم مغزى مسئوليتهم تجاه ذواتهم وتجاه الآخرين بما يشكلون العنصر القيادي، ويقبضون على عجلة الدفع الأمامي للمجتمعات الخاملة. لا شيء يضاهي متعة الإنجاز واكتشاف الطريق المؤدية إليه، تلك المجاهل المركبة من التجربة والخطأ التي تعيدنا مرارا لمفترق الطرق، لنتخذ قرارات جديدة وإستراتيجيات مختلفة في سبيل تصحيحها. إن بهجة الاقتراب من الهدف والإيمان المشبع باليقين بالوصول الموفق لنقطة الانطلاق التالية، هي فقط ما تمنح الحياة معنى النمو الذي لا تعرف عنه الجمادات شيئا.
(3) سوق عمل
يولد شعور المنافسة عادة حافزا مثاليا للإنجاز والتقدم في حال ارتبط بسلوك طبيعي التبدل، فمثلا إذا خطى منافسنا خطوة إلى النجاح ووجدنا من أنفسنا شعور بالغبطة، وحاجة صريحة للمصادقة- تفصح عن نفسها- بالاقتراب المباشر لفهم أسرار هذا التقدم دون ذلك الإحساس المشين بالغبن والتحسر، فإن ذهننا يكون في حال من الصفاء للتوليد الذاتي والإيجابي للأفكار والمعطيات التي من شأنها أن تخلق بيئة رحبة للتركيز والعمل، بالإضافة إلى المردود النفسي الذي يعزز الثقة في الذات بما يمنح النفس من الشعور بالرقي والاحترام. وحين يواجه الإنسان المدرك الواعي جملة من التحديات على صعيد الحياة أو العمل، تخلق من حوله محيطا تنافسيا متين التشابك، يضغط على أعصابه إذ يجتهد لاقتياد خياراته نحو التميز والإبداع، في واقع نؤمن بتسميته “واقع خلاق” لما يتركه من سمة ظاهرة تميز صاحبها، وتجعله موضعا للتقدير والعرفان، سنجد له حتما من أولئك الذين يحملون النقيض السلبي للسلوك الطبيعي الذي تجاوزنا ذكره آنفًا، يفرض نفسه على البارزين بتوهم مخادع بما يتغذى على الغيظ من نجاحات الآخرين.
    حسنا .. تعلمنا الحياة كل يوم أنها لا تحابي أحدا، وأن التقدم ليس إلا نتيجة تكاد تكون موقوفة تماما على المثابرة، وإن ما يخفف وطأة الشعور بالفشل هو وجود العقل الذي يمنحنا بدائل جديدة للتجربة كل يوم، ولأن الشغف هو الحالة الموصولة من إعمال الذهن في الأشياء التي تلامس القلب، يتدفق الفكر الإنساني العظيم بطرح متجدد في كل شيء حتى لتستغرب كيف يتسع الزمن لكل هذا في عجلة التسارع التي لا تتوقف، وفي سوق العمل كما في سوق الحياة، ما يخفف حدة قلقنا بشأن الإنجاز هو شعورنا الصادق بأننا قد بذلنا أفضل ما كان بوسعنا أن نقدمه في وقته.
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لطفا أترك كلمة تعبر عن رأيك بالمحتوى .. شكرا لزيارتك .