نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الطيف الانطوائي (لتفهم أكثر حول ميلك للعزلة)


 


مقدما بإمكانك اعتبار نفسك صاحب صفة وراثية تميل إلى الـ(لا اجتماعية) كنوع من تخفيف حدة لفظ (الانطوائية) والمخاوف التي قد تصاحب ذلك - حيث لا شيء يدعو للقلق البتة - فأصحاب الطيف الانطوائي ذو التدرج العالي، هم أشخاص طبيعيون جدا يتميزون بجملة من المواصفات غير الشاذة، تعالوا لنتعرف عليها هنا:

* إنهم أشخاص يميلون للهدوء والعزلة غالبا ويفضلون مرافقة أصدقائهم إلى الأماكن التي تتميز بالهدوء، بدلا من الأماكن والتجمعات الصاخبة، ينتابهم - بشكل متكرر- رغبة ملحة بالهروب من ضجيج الحياة.

* تجد أنهم من النمط الذي يرهقه المحادثات الهاتفية المطولة، والمحشوة بتفاصيل لا تهمهم بحال، إنهم يتهربون منها إلى استعمال الرسائل القصيرة.

* إنهم يعتنون بالوقت ويقلقهم الهدر، يحرصون بشدة على ملء فراغهم بنشاطات خاصة كمطالعة الكتب أو مشاهدة برامج هادفة أو مناقشة مواضيع هامة ذات أفكار عميقة مع أصدقائهم الأكثر شبها بهم.

* هم مستمعون جيدون ففي غالب الفرص التي تجمعهم مع الآخرين، تجدهم هدفا لتوجيه الحديث من قبل أشخاص قد لا تربطهم بهم كبير صلة، لأنهم يجيدون فن الإصغاء وعمق التحليل ولا يصدرون إجابات قاطعة دون إخضاعها لمزيد من الفهم والتمحيص.

*حتى علي صعيد أحداثهم ووقائعهم الشخصية بل ومناسباتهم الخاصة، هم من النمط الذي يغرقون في تحليل التفاصيل، وترتيب المعطيات ويقضون الكثير من الوقت مع أفكارهم وتصوراتهم وخططهم المستقبلية.

* يملكون دائرة اجتماعية محدودة وضيقة مقارنة مع الأشخاص الذين يستطيعون تكوين صداقات تتسم بالقرب مع من كان، يدهشهم كثيرا سلوك الانفتاح على الغرباء.

 * أصحاب الطيف الانطوائي في درجاته العليا غالبا ما يتمتعون بذاكرة تحفظ تفاصيل الأحداث بدقة برغم أنهم من أكثر من يستهلك قصاصات التذكير في نطاق أعمالهم اليومية.

 * هم يفضلون استخدام الكتابة كوسيلة للتعبير عن أنفسهم لأنفسهم وللآخرين، إذ أنهم من أكثر الأشخاص الذين يحافظون بانتظام على كتابة المذكرات كنوع من تفريغ الشحن العاطفي.

* هم قادة فاعلين جدا لأنهم أبعد ما يكونون عن المجازفة ويأخذون وقتهم في التفكير في كل الخيارات قبل اتخاذ القرارات، من ناحية أخرى هم يتركون فسحة الإبداع للآخرين ليسوا بتاتا من النمط الذي يحب أن يترك بصمته على كل صغيرة وكبيرة، إن العمل معهم متعة حقيقية فهم أبعد ما يكونوا عن سمة الاحتكار.

مفهوم الانطواء

مصطلح (الانطوائية) - بالتضاد مع (الانبساطية) - هو صفة طبيعة يحملها الإنسان كما يحمل لون عيون خضراء أو بشرة سمراء مثلا لا علاقة لذلك بطريقة النشأة ولا بتأثير البيئة، والتدرج الانطوائي هنا هو إشارة إلى تدرج حدة الرغبة في العزلة عن الآخرين يشبه تدرج حدة اللون الواحد من القاتم إلى الشفاف.

فالانطوائية لا تعتبر بحال من الأحوال خلل نفسي ولا يمكن تخيل أصحاب هذا الطيف أشخاص شاذين، منعزلين خلف شاشاتهم الرقمية منقطعين عن العالم الحقيقي أو معقدين اجتماعيا، بل إنك لا تكاد تميزهم عن غيرهم إلا بالاقتراب منهم والارتباط بهم بعلاقات متينة.

تقول سوزان كين الباحثة في السلوك الانطوائي " إن الأشخاص الذين يمثلون هذا الطيف - قياسا لحجم المجتمع هم شريحة كبيرة متسعة اتساع الثلث إلي الثلثين علي أقل التقديرات، إنهم متواجدون من حولك حتى و إن لم تدرك تصنيفهم، ذلك أن النزعة للانطواء ظاهرة طبيعية جدا ومتواجدة حتى قبل تشكل اللغة ودراسة السلوك، وهي لا تعني الخجل البتة بل تعني طريقة الاستجابة للتحفيز الاجتماعي، فالأشخاص المنفتحين يتعايشون مع عالم الضوضاء ويحتاجون الكثير من التحفيز من أجل الإنجاز بينما الأشخاص الانطوائيين يشعرون أكثر ما يشعرون بالحياة والقدرة والتمام عندما يكونون في بيئة هادئة ".

فاعلية الانطواء 

" يشير الميراث الثقافي لبناء الحضارات الإنسانية، أن العناصر الثلاثة التي ترتكز عليها أي حضارة تتمثل في: الإنسان، التراب، والوقت ثم مؤثر الدين الذي يدفع الإنسان للمضي قدما باتجاه التقدم بما يمنح النفس مبدأ تعزيز الشعور" مالك بن نبي، فالدين هنا هو الفكرة العميقة التي استغرقت أعظم قادة البشرية من الأنبياء والرسل عليهم السلام في أزمنة مكثفة من العزلة والتعبد والفكر من أجل تلقي الإلهام المقدس ومن ثم العودة إلي مجتمعاتهم لتبليغ الرسالة، في تدرج طبيعي من الخلوة إلي الصحوة، كما تشير الأبحاث أن أعظم القادة الذين أثروا في تاريخ البشرية بشكل فاعل وحقيقي كانوا من ذوي الشخصيات الانطوائية من أمثال روسا باركز وغاندي .

وتضيف سوزان كين " إن هؤلاء القادة لا يكثرون التحدث ويتميزون بالتواضع والعزلة، مع هذا استطاعوا الوقوف أمام الأضواء رغم أن كل جزء فيهم كان يحثهم على العكس، مظهرين قواهم الخاصة ومتربعين على رأس هرم التأثير الإيجابي، لا لأنهم يعشقون توجيه الآخرين وجذب الأضواء بل لأنهم لا يملكون خيارات أخرى فهم مدفوعون بشعور المسئولية اتجاه شعوبهم".

الدفع المضطرد نحو الانبساطية  

لما كان أصل الحضارة يقوم على الفكرة العميقة والمؤثرة التي تبنى على سمة التأمل والتفكير، نجد العكس تماما في أيامنا هذه، فهناك دعاوى كبرى للانفتاح على الآخرين فقد وجد الناس أنفسهم ملزمون لإثبات ذواتهم ضمن جموع الغرباء في التجمعات الاقتصادية أو الاجتماعية أو المؤتمرات الكبرى أو المناسبات العامة الآخذة فالاتساع بدلا مما ألفوه من تحجيم العمل ضمن دوائر مغلقة تتسم بالألفة مع أشخاصهم المقربين. 

" إن صفات الجذب والكاريزما أصبحت مهمة جدا وحتما تغيرت فكرة الميل للعزلة ليحل محلها عنوانين جذابة من مثل (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس) مع أن علماء النفس يؤكدون أن التواجد ضمن مجموعات يفرض علينا التصرف بصورة لا واعية من مراقبة وتقليد آراء وحتى معتقدات الآخرين، في تلاشي مؤكد لاستقلالية الفرد والانصياع اللاإرادي للأفراد الأكثر جاذبية في تلك المجموعات " سوزان كين.

وهذا ما يعرف على وجه التقريب بخلق الوعي الجمعي وهو ما يعرّض الفرد لخطر الديناميكية الجماعية بدل أن يولد أفكاره الخاصة به، وبالطبع هذه ليست دعوة إلى نبذ العمل الجماعي، بقدر ما هو نوع تأكيد على وجود شريحة واسعة من المجتمع يمكن أن تصبح أكثر فاعلية وإبداع بتوفر بيئة من الخصوصية لها.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لطفا أترك كلمة تعبر عن رأيك بالمحتوى .. شكرا لزيارتك .