نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

أَوَمنْ يُنشُّأ فِي الحِليَةِ (2)

    

قال تعالى:
( أَوَمنْ يُنشُّأ فِي الحِليَةِ وَهْوَ فِي الخِصَامِ غَيرُ مُبِين )
أواصل البحث في تأملات الآية، لما قد يوصلني الفهم - مهما قَصُر عن الكمال - إلى الكشف عن شيء من الجوانب المبهمة في طبيعة المرأة. وأما محور الحديث فيُعنى بكل من :
* الجانب السيكولوجي في ارتباط المرأة بالحلي والزينة.
* الجانب البيولوجي للتركيب العضوي لدماغ المرأة.
وبالطبع لا تمثل المقالة أي نوع من الدراسات المقننة، بقدر ما هي نوع من تقصي الحقائق، وربط لسلسلة الفهم. يقول باييف :( الذّهب يعزّي المرأة ) وهذه حقيقة فامتلاك الحلي الثمينة يعزّز الشعور بالقيمة لدى المرأة ويمنحها البهجة، بغض النظر عن نوع الحياة التي تعيشها، أو المستوى الثقافي الذي تحظى به، فمثل هذه الفروق قد تؤثر بالتناسب على الذوق وطريقة اختيار ما يناسبها، لكنها لا تؤثر بحال على الميل الفطري لحب التزين عندها.
ويقال أن المرأة تتزين أساسا للمرأة، أكثر من أي شخص أخر في حياتها، فهي تعشق أن تتميز في المجامع النسوية خاصة، وأن يشار لها بالبنان، ويكاد يكون هذا القول صحيحا دون شواذ لقاعدته لكنه ليس الوحيد بطبيعة الحال.
فالمرأة تتزين أيضا لتعدل مزاجها الذي يصاب بالاضطراب دوريا، وفي أكثر الأحيان تتزين لتكذب بخصوص سعادتها الشخصية، كأن تخفي مسحة الحزن التي تتركها أعباء الحياة ومشاقها، لكنها في سائر الأحوال تعتني بإكمال زينتها بالحلي لأنها أصل في الاهتمام بالكمال الظاهري للأشكال وما تتطلبه من الزخارف والزينة، بسبب طبيعتها التي تميل إلي التلوين، والتنوع المبهج وتغذي طبيعتها الشغوفة بالاستهلاك !!
وقد ينظر لهذه التفاصيل على أنها الوجه المذموم في طبيعة المرأة، لكن إطلاق الأحكام العامة من الصعوبة بما كان، لان الأمر نسبي في حدوده، ومحكوم بمجموعة من الأحوال والظروف التي تعيشها. فالمرأة المتعلمة المثقفة، تكون حساسة أكثر للجمال، وتميل غالبا إلى البساطة في زينتها - وعلى العكس ممن دونها ثقافةً - تنفر مما يجافي الذوق مما لا يُختلف فيه بحسب المنظور الفني الراقي.     
ولعل الحياة الاجتماعية الصاخبة للمرأة العربية خاصة، والضغط المجتمعي الذي يفرض عليها واجبات التزاور غير الواجبة !. يجعلها (وفقا للدراسات) أكثر استهلاكا للحلي والزينة، مقارنة بالمرأة الأوربية، التي تختلف اهتماماتها كليا بما يتسع أمامها من الخيارات - وبشكل مضاعف- للانفتاح على مجالات الحياة العلمية والثقافية والتطوعية، في مقارنة مزدوجة الاتجاه مع المرأة العربية. ونتيجة لذلك نكون بأمسّ الحاجة لأن نعزز فرص الاستقلالية في أطرها السليمة، وأن نفتتح مجالات من عمق التفكير، وبعد الأهداف وسمو الغايات لأجلها، لكي نشهد قريبا تغيرات إيجابية في مؤشرات التطور الاجتماعي والحضاري، بحيث نخفف وطأة الاستهلاك ونحجّم الإنفاق.
ننتقل للمحور الثاني من الموضوع، وكي لا تضيع الفكرة الأساسية، نحن بصدد البحث عمّا يعيق قدرة المرأة على الإبانة حال الخصام، ولأن الدماغ هو العضو الرئيس المتحكم في النشاط الإدراكي والفعلي للإنسان، فإننا نخصه بجملة من المعلومات والفروق الخاصة التي تباين التركيب الخلقي لدماغ المرأة مقارنة بدماغ الرجل.
 فنقول أن الدماغ هو كتلة من النسيج الدهني  والبروتيني، الذي يحوي شبكة جبارة من الخلايا يصل عدها نحو مئة مليار خلية، تتواصل فيما بينها بعشرات الآلاف من موصّلات الشحنات الكهربائية التي تنقل المواد الكيماوية في ذات الوقت، بحيث تعمل هذه المواد كموصلات عصبية، تنقل رسائل محددة من التحفيز والقدرة على الفعل، إلى تمييز المشاعر بين الفرح، والغضب، والسعادة والإحباط ...
كما تشير الدراسات العلمية إلى " أن النصف الأيسر من الدماغ يتميز بوجود مراكز المنطق والحسابات العقلية والسببية ومراكز القراءة والكتابة واللغة ومراكز التحليل والتسلسل المنطقي، فهو بذلك يهتم بالتفاصيل وتحكمه الثوابت، ويجيد الحسابات الرياضية والعلمية، وإدراك  الحقائق وترتيبها، كما يمكنه وضع الخطط، ومعرفة الأعلام فهو عملي يركن لمساحة الأمان وتزعجه المجازفات.
       بينما يتميز النصف الآخر- الأيمن- بوجود مراكز التعرف على الوجوه والأشكال، ومراكز التوافق والإيقاع والمرئيات، ومراكز الإبداع والابتكار والتفكير غير المباشر، فهو بالتالي يميل لاستخدام الأحاسيس، ويهتم بالصور الشاملة دون التفاصيل، وينشط في مجال الفلسفة وأمور الاعتقاد، ويمكنه أن يتفهم الدوافع بغض النظر عن المنطق، ويميل على عكس نصفه الآخر إلي الاحتمالات وقرارات المخاطرة " 
وعند التعرض لموقف ما يحتاج للتفكير أو التحليل يميل الدماغ المذكر تلقائيا لاستخدام الجزء الأيسر، فهو يتجه تماما للعمل انطلاقا من المكان الصحيح، بينما يميل الدماغ المؤنث إلى استخدام النصفين معا في عملية التفكير، ولا ريب أن هذا يخلق نوع من التشتت بين المنطق والعاطفة. وهذه أولى إشارات التباين في الظروف الطبيعية، فكيف إذا كان الموقف ينطوي على نوع من الانفعال أو الغضب.
     وعلى السياق ذاته يستخدم الرجل النصف المهيمن على مراكز اللغة حال المحادثة أو الكتابة أو القراءة، فهو بذلك ينتقل بشكل مركز نحو جزءه المناسب للمهمة، في حين تستخدم المرأة النصفين معا للمهمة نفسها، لتبدو أكثر نشاطا وأعلى مقدرة على مواصلة المحادثة بتفاصيل كثيرة، تتطلب منها معدل يومي من الكلمات يبلغ الضعف مما يستخدمه الرجل. لنصل إلى نتيجة مؤكدة مفادها أن المواضيع تصبح أكثر تحديدا ومباشرة وأقل تداخلا في دماغ الرجل، بينما تتشابك وتكون أقدر على الاتساع والتكثيف في دماغ المرأة. ويتكرر ذات الأمر فيما يتعلق بمؤثرات الضغوطات والألم، فتشير الدراسات إلى أنه يتم تحفيز الجزء المتعلق بالتفكير العملي الواقعي لدى الرجل، في المقابل يثار الجزء المتعلق بالمشاعر والتفكير الرمزي لدى المرأة. 
     فإذا أضفنا لكل ذلك حقيقة أن تصميم دماغ المرأة جاء مناسبا لتحمل الألم الجسدي والإجهاد أكثر من الرجل، نفاجأ بمعلومة جديدة حول طبيعة المواد المخدرة التي يفرزها دماغها، والتي يقول العلماء بأنها تؤثر سلبا في فاعلية الذاكرة طويلة الأمد بنسبة أكبر من الرجال، ويسجل هذا الانخفاض في فاعلية الذاكرة تحديدا في فترات الحمل والعام الأول مما يلي عملية الولادة، بالمقابل تتفوق المرأة على الرجل في الذاكرة قصيرة الأمد، لنصل لحقيقة معجزة أن كلا العقلين خُلقا للمهام المنوطة بهما، وعود على قضيتنا الأساسية فإن غياب الأحداث البعيدة في الذاكرة يضعف بلا شك قدرة المرأة على استعادتها لتستحضر حججها حال الخصام فتتعثر في محاولات التذكر، ثم إذا حاولت أن تعوض نقطة الضعف بقدرتها على الاسترسال في الكلام، جاء كلامها مبهما، منفعلا، لاشيء يعضده !!.
        الجدير بالذكر أخيرا أن المجال يضيق بعملية التعميم إطلاقا، بل ويتسع لتفاوت كبير في طبيعة المرأة، ولا يمكننا القياس بحال على نموذج مفرد، فعلى الصعيد الشخصي يصبح المكان مناسبا للاعتراف بالقصور في أداء بعض المهام العقلية، من مثل سرعة تخيل الاتجاهات وتذكر التفاصيل البعيدة، وضياع كثير من الأسماء والعناوين، بل وصعوبة إيجاد الألفاظ المناسبة لتّعبير عن الأشياء الطارئة، والحاجة الملحة لتوضيح الشروح عبر التخطيط على الورق الأبيض مهما يظن الآخر أن لا حاجة لذلك.
وهذا الاعتراف ليس حاجة لإثبات نقاط الضعف بقدر ما هو حاجة لإقرارها، والتعامل معها كأمر واقع يحتاج الكثير من الإجراءات، من مثل استخدام قصاصات التذكير، والأعداد الذهني المسبق لكل شيء، بما ينعكس إيجابا على الإتقان والجودة في أداء المهام، وكما يقول المثل " رُب ضارة نافعة ".

   شاهد الجزء الأول من الموضوع

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لطفا أترك كلمة تعبر عن رأيك بالمحتوى .. شكرا لزيارتك .